یهدف البحث الى دراسة التقنیات الخزفیة التی تنتج اللون الازرق فی بعض الحضارات مثل الحضارة المصریة القدیمة والحضارة الصینیة والحضارة الاسلامیة، ففی الحضارة المصریة القدیمة انتج اللون الازرق عن طریق العجینة المصریة وهی تعتبر ترکیبة من الجسم والطلاء معا، وتضاف مکونات الطلاء الزجاجی الى مکونات الجسم فی شکل معلق وعندما یجف الجسم فان مکونات الطلاء الزجاجی الذائبة تتبخر على سطح الجسم وتترسب علیه وبعد حریقها تظهرطبقة رقیقة من الطلاء على الجسم، وتمیزت العجینة المصریة باللون الفیروزی (الأزرق المخضر) بإضافة مرکبات النحاس، ونظرا لأن تشکیل هذه الترکیبة کان صعب جدا لأنها غیر لدنه فقد اضیفت لها نسبة من الطینة لتسهیل عملیة التشکیل وسمیت بالمنتجات الأرضیة (الفیانس) وانتشرت انتشارا واسعا بأشکال وألوان متعددة، أما تقنیة اللون الأزرق فی الحضارة الصینیة تمت بالزخرفة بمرکبات الکوبلت على البورسلین، و ظهر البورسلین عند الصینیون نتیجة لإمکانیاتهم الطبیعیة المحلیة التی تتمثل فی وجود الکاولین النقی على أرضهم وامکانیة الحریق العالی، والبورسلین لم یظهر فی (Earthen ware) الصین إلا بعد محاولات عدیدة أخذت من الوقت الکثیر بدایة من المنتجات الارضیة،(Porcelain) الى ان وصلوا الى البورسلین (Stone ware) مرورا بالمتنجات الحجریة. وانتشرت الزخرفة بمرکبات الکوبلت الزرقاء على البورسلین فی الصین بشکل واسع بعد استجلاب المغول للکوبلت من بلاد العراق وإیران الى الصین أثناء الحرب علیهم، وأنتجت هذه المنتجات على نطاق واسع واذدهرت التجارة فیها من الصین الى بلاد الاسلام، مما شجع الخزافون المسلمون على محاولة تقلید هذه التقنیة مما ادى الى ظهورتقنیة اللون الأزرق فی الحضارة الاسلامیة ولکن بامکانیاتهم المحلیة، ونفذت التقنیة بعدة طرق منها الزخرفة بمرکبات الکوبلت علی جسم ابیض ( بعد نجاح الخزافون المسلمون فی الحصول على جسم أبیض شبه مزجج یحرق فی درجة حرارة منخفضه )، وأیضا تمت الزخرفة بأزرق الکوبلت علی جسم ملون بعد تغطیته ببطانة بیضاء ثم طلاء شفاف ( زخرفة تحت الطلاء ) أو تغطیه الجسم الملون بطلاء زجاجی قصدیری أبیض بعد اکتشافة بواسطة الخزافین المسلمین أیضا (زخرفة فوق الطلاء )، وهناک تجربة مهمة للخزاف سعید الصدر فی الحصول على اللون الأزرق المخضر ( الفیروزی) بجانب اللون النحاسی أو الأحمر على نفس القطعة بأسلوب البریق المعدنی (حریق مختزل) وهذه التجربه تدل على التواصل الحضاری باستخدام اسلوب البریق المعدنی الاسلامی، وکذلک تدل على الابداع الفکرى فی الحصول على لونین احدهما من الحریق المؤکسد (اللون الفیروزى) والآخر من الحریق المختزل (اللون الاحمر أو النحاسی ) من طلاء زجاجی واحد وحریق مختزل.ومن تلک الدراسة یتضح کیف تأثرت الحضارات المختلفة ببعضها البعض، وذلک نتیجة للتواصل بین الحضارات بطرق مختلفة، ویظهر ذلک فی محاولات الخزافین المسلمین تقلید الخزف الابیض والازرق الصینی، وکذلک ظهور اللون الفضی والذهبی على حواف الاوانی البورسلین الصینیة المزخرفة بالازرق تقلیدا للبریق المعدنی الاسلامی، و فی الحضارة الاسلامیة نجد ایضا ظهور نفس ترکیبة المنتجات الارضیة المصریة (الفیانس) مع بعض الاضافات لإنتاج جسم ابیض شبه مزجج وهی محاولة انتاج جسم شبیه بالبورسلین الصینی وکذلک ظهور اللون الترکواز المشهور عند المصری القدیم، وذلک یدل على انتقال التکنولوجیا من حضارة لأخرى. ومن هذه الدراسة نجد أن التقنیات الخزفیة التی انتجت اللون الازرق فی کل حضارة من الحضارات السابقة مرتبطة بخاماتها المحلیة المتوفرة، وتمیزت کل تقنیه من هذه التقنیات بخصوصیتها الجمالیة والفنیة والتکنولوجیه العالیة، وذلک یدل على ثراء کل حضارة من الحضارات بتجربتها المحلیه الخاصة، ونجد ایضا أن التطور الحضاری سلسة متتابعة لا تنتهی تنصهر فیها التجربه المحلیه مع التأثر بالحضارات الاخرى الذی یتم عن طریق التواصل، و نجد ان الحضارات العظیمة حضارات مرتبطة بشعوبها و بفکرهم وتجربتهم الاصیلة .